عون: هذه المرة لن يجد فريق السلطة من يحميه إذا رفض المبادرة
عماد مرمل
لعل الكثيرين في الموالاة والمعارضة يملكون اعتراضات جوهرية على مبادرة الرئيس نبيه بري، لكن أيا منهم ليس على استعداد لتحمل مسؤولية إطلاق النار على رأس هذه المبادرة والاجهاز عليها، حتى لا تُلقى عليه تبعات مرحلة ما بعد سقوطها. يعلم الجميع ان مبادرة بري هي قارورة الاوكسيجين الاخيرة التي تتيح لخيار التسوية ان يستمر في التنفس، والارجح ان المتضررين من هذه التسوية يفضلون انتظار ان يتلاشى مخزون القارورة مع الوقت، بما يؤدي الى إختناق المبادرة ببطء، بدلا من ان يُضبطوا علنا بجرم محاولة قتلها. ولأن الرئيس بري يدرك حساسية عامل الوقت ويخشى من بهلوانية اللاعبين على حباله، فهو كان جازما وحازما بدعوته فريق الاكثرية الى اتخاذ موقف واضح وغير ملتبس من المبادرة، سواء لجهة تأييدها او رفضها، لان المسألة لا تحتمل إجابة على طريقة «لعم». تدرك قوى 14 آذار ان الكرة هي في ملعبها الآن وان عليها ان تصيغ موقفها بـ«ميزان الذهب». لن تكون المهمة سهلة كثيرا، والارجح ان البيان المرتقب لهذه القوى سيحتاج الى استعمال الطاقة القصوى من البلاغة اللغوية التي تتيح قبول المبادرة والاعتراض عليها في الوقت ذاته. وإذا كان رئيس مجلس النواب يدفع في اتجاه صدور موقف واضح عن الموالاة، لا يختبئ وراء صيغة «نعم، ولكن...»، إلا ان حسابات الفريق الآخر لا تتطابق بالضرورة مع رؤية الرئيس بري في هذا المجال، لانه لا مكان في السياسة لـ«نعم» أو «لا» قاطعة، بل هناك أخذ وعطاء وتبادلية في المصالح والتنازلات، كما تقول إحدى الشخصيات البارزة في قوى 14آذار. وفي اعتقاد هذه الشخصية ان الرئيس بري لن يستطيع الدفاع فترة طويلة عن مفهومه حول الرد المطلوب من الموالاة، كون هذا المفهوم يتعارض مع حقائق العمل السياسي، لافتة الانتباه الى ان فريق 14آذار يُعد تصورا متكاملا حول مبادرة بري، وهذا التصور لن يكون سلبيا بل سيتسم بالايجابية لان أحدا لا يستطيع ان يقفل الباب امام مبادرة تشكل الفرصة الوحيدة المتاحة للانقاذ حاليا ولا يوجد غيرها على الطاولة، ولكن هناك فارق كبير بين إبداء الايجابية لتسهيل الحل وبين التوقيع على بياض كما هو مطلوب من الاكثرية. وترى الشخصية ذاتها ان لا فوارق كبرى بين أقطاب الموالاة لناحية كيفية التعامل مع مبادرة بري، والتمايز ينحصر في أشكال التعبير عن الموقف منها، تبعا لطبيعة التجارب مع رئيس مجلس النواب، إذ يميل البعض الى مقاربة المبادرة بطريقة لطيفة بينما تتسم لهجة البعض الآخر بشيء من القسوة، ولكن في كلتي الحالتين الجوهر هو واحد. ويبدو ان المشكلة الكبرى التي ستواجه مبادرة بري تكمن في كيفية تفسير التوافق الذي تدعو اليه، باعتبار ان أحدا لا يستطيع ان يرفضه بحد ذاته من حيث المبدأ. يظهر ذلك بوضوح حين يقدم العماد ميشال عون نفسه على أساس انه مرشح توافقي بين 8 و14آذار، بينما يرى لاعبون أساسيون في قوى الموالاة ان التوافق يجب ان يكون حول واحد من مرشحيها المعلنين، إستنادا الى برنامج سياسي يأخذ بعين الاعتبار تطلعات أطراف الازمة في لبنان. ويقول أحد المقربين من مرشح أساسي في «الاكثرية» ان الرؤية الموضوعية الى التوافق المنشود هي التي تقود الى الاتيان برئيس من فريق 14آذار على اساس برنامج متفق عليه، يتضمن قواعد الحل للازمة القائمة، أما ان يؤتى تحت شعار التوافق برئيس ليس معلوما من اين يجيء ولا الى أين يذهب فلا يعني سوى المراوحة في المكان. وبموازة شد الحبال السياسي والدستوري حول عنق الاستحقاق الرئاسي، بدأت أطراف الصراع باستخدام أوراق ضغط من أنواع أخرى، كتلك التي أخرجها من جيبه رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع عندما اتهم حزب الله بتدريب وتسليح مجموعات من التيار الوطني الحر في إطار الاستعدادات لتعطيل الانتخابات الرئاسية إذا لم تكن متلائمة مع حسابات المعارضة. يبتسم العماد ميشال عون حين يُسأل عن تعليقه على هذا الاتهام، ثم يقول: ليسوا أنصارنا هم الذين يسافرون بالطائرات الى بعض البلدان العربية لتلقي التدريبات، ولسنا نحن من أسسنا شركات أمن وهمية ليست سوى غطاء لتسليح مئات الشبان في إطار بناء ميليشيات مقنعة، ولسنا نحن من نطوّع آلاف المحازبين في قوى الامن الداخلي، ولكن المشكلة ان الاجهزة الامنية والمخابراتية التابعة لهم لا عمل لها سوى مراقبتنا، أما «فتح الاسلام» فيتركوها تنشط وتنمو. ويضيف: سلاحنا فردي، وهو مرخص ومخصص للدفاع عن النفس بعد الاعتداءات التي تعرضنا لها في السابق، وفي كل الحالات أنا أتحداهم ان يقبلوا بان نسلم جميعا السلاح الفردي الى الجيش اللبناني... وإذ يشدد عون على ان مبادرة بري هي «الفرصة الاخيرة»، يلاحظ ان هناك تأرجحا داخل فريق الموالاة في التعاطي معها، يعود إما الى عملية توزيع ادوار بين رموز هذا الفريق وإما الى وجود تباينات فعلية حيال المبادرة «وهذا ما أرجحه حتى الآن». ولا يعتقد عون ان لدى النائب سعد الحريري القدرة على حسم الامور داخل صفوف الموالاة في هذا الاتجاه او ذاك، لانه لا يملك سلطة على الآخرين، الامر الذي قد يتطلب تدخل مرجع خارجي لترتيب شؤونهم والتوفيق بين اتجاهاتهم. ويصر عون على انه يحمل برنامجا توافقيا يراعي هواجس 8 و14آذار، وإذا كانت قوى الموالاة مهتمة فعلا بالسيادة والاستقلال فأنا الضمانة الحقيقية على هذا الصعيد. ويضيف: التوافق الحقيقي يتم حول مضمون إنقاذي، وإلا سنكون أمام توافق شبيه بقصة بعبدا ـ عاليه التي خرج منها المغدور والمغشوش... ويؤكد «الجنرال» انه على تناغم وتفاهم مع الرئيس بري في إطار المبادرة التي أطلقها والتي نتابعها خطوة خطوة، أما إذا جرى إفشالها فان البدائل ستكون جاهزة من دون ان يعني ذلك الإنزلاق الى الحرب الاهلية لان أحدا لن يقبل بأن يموت من أجل هذه الحكومة، متسائلا: كيف للجائع ان يضحي بنفسه في سبيل من يجوّعه. وفي إشارة ذات دلالة، يتابع «الجنرال»: هذه المرة لن نحتاج الى أكثر من صرخة واحدة حتى يتهاوى فريق السلطة وينهار. في المرة الماضية، وجدوا من يحميهم، أما الآن فيكفي ان نصرخ في وجوههم حتى ينتهي الامر، لانه لن يكون هناك من يوفر لهم الحماية.

No comments:
Post a Comment